2011-02-13

الحزبيون السوريون الجدد ..دماء شابـّة، وشريان مفتوح! (3)

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية



                             بين "شيخ" الدين، و"مريد" السياسة
                             (في الحزبية السورية الدينية)

   

عشر بنادق أمريكية الصنع مع ذخائرها, عبوات متفجرة مصنعة محليا, أشرطة تسجيل لخطب ومواعظ دينية وأسلحة أخرى بينها رشاش؛ كانت –ودائما وفق الداخلية السورية- حصيلة العملية التي قامت بها قوات الأمن في دمشق أوائل أيار2007 ضد (مجموعة إرهابية) استهدفت بناء مهجورا خلف مبنى الإذاعة والتلفزيون في قلب العاصمة.

ولم ننتظر طويلا قبل أن تتدفق التحليلات يومها لتربط بين عناصر المجموعة التي قتل بعضهم في الحادثة واعتقل بقيتهم, وبين سوري آخر هو (أبو القعقاع), الشيخ الحلبي الذي ذاع صيته كمروج للفكر(الجهادي) بين الشبيبة السورية, والتي يقول محللون أن من هؤلاء الشباب بالذات من استقل عن شيخه (محمود كولاسي) أو (اسحق الدخيل) –أبو القعقاع نفسه- لينطلق في نشاطه الخاص الذي سمعنا بعض أخباره من (سانا) في دمشق وحلب وحماة, في إطار تصدي رجال الأمن لـ(خلايا تكفيرية) محلية, وذلك قبل أن يلقى الدكتور الداعية مصرعه على باب مسجد (الإيمان) -في حلب مرة أخرى- اغتيالا بالرصاص عن عمر 42 عاما.

تتكرر مقدمات من هذا النوع أحيانا –لا تخلو من مغزى- عندما يشرع بالحديث عن الشباب والتيارات الدينية, ومدى ارتباط واستفادة كل منهما من الآخر حركيا, لكنها -أي تلك المقدمات- نادرا ما تجد لها سياقا استطلاعيا أو استقصائيا متمما على الأرض, بعيدا عن التحليلي (التجميعي) والدراسي النظري على ضرورة كل منهما.

ومن نافلة القول الإشارة إلى كل ذلك الحبر الذي سال ويسيل, خوضا في ظواهر (المد الأصولي) و(الردة الدينية) و(الجهادية الجديدة) و(...), لكن تبقى التجليات السياسية بالذات لهذه الظاهرة-بعيدا عن الاجتماعي والخيري- مبهمة ومشوشة في واقعنا السوري, بفعل عوامل قد يدفعنا سردها إلى العودة إلى واحدة من تلك التحليلات التي سبق ذكرها.

والنتائج التي يخرج بها من يحاول تلمس بعض هذه الإرهاصات الحركية والتنظيمية لهذا التيار الديني بين الشباب السوري لا تشفي الغليل, لاعتبارات لها علاقة بالجو المحيط بهذا الموضوع في الثقافة السورية السياسية, إذ لا يمكنك أن تتوقع (في الظروف الطبيعية) مثلا أن يجلس إليك شاب من حزب التحرير ليتجاذب معك أطراف الحديث في مقهى الروضة, أو أن تأخذ موعدا من شاب من الإخوان المسلمين في مكتبه لـتتعرف على خطّه السياسي الراهن, هذا على فرض أنّ للتيارين المذكورين وجودا فعليا على الأرض اليوم.

فالقوانين السورية الراهنة (صارمة) فيما يتعلق بهذا الموضوع الحساس, وهي عموما تحظر –فيما تحظر- إنشاء أحزاب سياسية على خلفية دينية أو طائفية, وأول ما يتبادر إلى الذهن في هذا الإطار هو القانون 49 للعام 80 ذائع الصيت, والذي يقضي على منتسبي جماعة الإخوان المسلمين بالإعدام (يتم استبدال هذه العقوبة مؤخرا بأحكام سجن طويلة), الأمر الذي يعيد إلى البال على الفور أحداث الثمانينات التي أقل ما يقال فيها أنها (مؤسفة).

وفي ظل كل ما يتم الحديث عنه من هذا المد الديني الذي لا تخطئ العين مظاهره وتجلياته الاجتماعية، لا وبل الاقتصادية أيضا, يبقى الباب مشرعا أمام السؤال الموضوعي عن مدى استعداد الشباب السوري المتدين وحماسته اليوم لأشكال أخرى من التعبير عن ذاته وميوله, من نمط العمل الجماعي والتنظيمي السياسي المباشر, طالما أن البيئة المحيطة تتقبل -على ما نشهد- باقي مناحي أشكال التعبير تلك؟

وعن اعتقاده بوجود تيارات إسلام سياسي بين الشباب السوري تنتظر الخروج إلى العلن, يقول عبد الرحمن شاغوري الشاب الذي سبق أن أودع السجن بتهمة توزيع نشرة الكترونية يصدرها موقع على الانترنت محسوب على جماعة الإخوان المسلمين السورية المحظورة:

"أريد أن أوضح شيئا في البداية, وهو أنه على الرغم من أني شخصيا ذو توجه إسلامي في العموم, لكنني هنا أتكلم بصفتي مستقلا وباسمي الشخصي, وأنا أرى بالفعل أنّ (الشعبية) على أرض الواقع هي بطبيعة الحال لهذا التيار الديني, بيد أنّ الحديث عن وجود تيارات سياسية ذات توجه أو طابع ديني وما شابه؛ أمر لا وجود له في سوريا نهائيا.

وأنا شخصيا –إذا سألتني- ضد فكرة الحزبية الدينية, والحزبية بشكل عام, لأن هذا الطرح يفترض إلى حد ما –ولغاية اليوم- أنّ عليك أن تسلـّم برأيك إلى جماعة بعينها, سواء أأمكن لك أن تساهم أو تشارك في صنع وانتخاب تلك الجماعة أم لا, وبالتالي يصبح من المتعذر عليك أن تقوم بأي فعل أو عمل –كبر أم صغر- من دون أخذ ضوء أخضر أو موافقة مسبقة من حزبك, كما يعني انتسابك إلى حزب أو تيار؛ قبولك وتبنيك بالضرورة كل موقف أو رأي أو قرار يقوم حزبك باتخاذه من قضية أو حدث أو شخص ما, وبالتالي تنعدم فرصتك في اتخاذ أي خيار أو اتجاه مغاير لما سلف, وإلا عرّضت نفسك لإجراءات حزبية انضباطية قد تصل حد الفصل أو الطرد مثلا...."

... ولكن الحياة الحزبية (دينية أو سواها)  ليست بهذه البساطة, إذ يمكن الافتراض أنه وخلال آليات الحزب ذاتها؛ تستطيع التعبير عن رأيك وإبداء وجهة نظرك, ألا تعتقد ذلك؟

"مع كل الاحترام لما تقوله؛ لكنني لا أرى حديثك عن هذه (الآليات) مقاربة واقعية لـ(حالتنا) ولما يجري على الأرض, إذ لا يخفى على ذي بصر أنّ جميع أولئك الذين أردوا أن يخالفوا أحزابهم في قضية من القضايا أو مسألة من المسائل انتهى بهم المطاف إلى الانشقاق عن أحزابهم وتياراتهم الأم, وتشكيل أحزاب أخرى.

لدرجة أنـّه يوجد بين ظهرانينا اليوم –كما أعرف وتعرف- أحزاب كثيرة نشأت بالأساس عن ذلك الوضع الذي وصفت لك, ومن بينها يمكنك دون كثير عناء أن تجد (تيارات) مؤلفة من أشخاص يمكن عدّهم على أصابع اليد الواحدة!


وإذا سمحت لي فهناك شيء آخر حول موقفي هذا من الأحزاب.وهو أمر أسهم أيضا في تشكيل نظرتي من الحياة الحزبية المحلية كما تسميها, هو اعتقادي أن الإنسان في منطقتنا لم يصل بعد في تطوره الذاتي والاجتماعي حدا يمكنه أو يؤهله كي ينخرط في أطر كهذه (حياة حزبية.. كذا), ولهذا السبب بالذات؛ أعتبر نفسي اليوم من مناصري العمل الفردي المحض, وتمسي مؤطرات العمل الجماعي بهذا المعنى مرحلة جد متقدمة, ويفصلنا عنها اليوم من حيث نقف بون شاسع.

وإذا كان من أحد يرغب حقا في أن يضع أطروحة العمل الجماعي موضع التنفيذ -وأحد تمظهراتها هي حالة الحزبية موضوع أسألتك- فعليه أن يبدأ لا محالة من نقطة العمل على تكوين الفرد الواعي, وعلى الجميع عندها أن يبدؤوا العمل بشكل ذاتي على هذه الفكرة.

لذا-وبغض النظر عن أي موضوع آخر- علينا في البداية أن نتحصل على فرد قادر على الاستقلال برأيه وقراره. وهذا الشخص من وجهة نظري لا وجود له بيننا اليوم."

ولكن التيارات الدينية عادة ما تنحو صيغ عمل جماعية, ووفق الشرط الموضوعي لظهورها, يكون لها (مداخلات) في الرأي السياسي العام بداية, وصولا إلى الحزب أو التنظيم السياسي الصافي, والذي قد تدفع باتجاهه العناصر الأكثر حماسة في المجموعة؟

"حسنا, لا أدري إن كان جوابي سيرضيك, ولكني أعتبر هذا الميل كما وصفته خطأ فادحا, ولا يمكنني النظر إلى حالات من هذا النوع على أنها حالات صحية يجب تعميمها.

ولا أجد بدا من أن أكرر لك أن ّ على الإنسان أن يملك بادئ ذي بدء المقدرة على انتقاء خياراته بنفسه, وبعد ذلك (قد) يكون من المستساغ أن يحصل التقاء أو تجمع من نوع ما لكل أو بعض أولئك الذين يملكون رأيا محددا لصنع تيار أو ما شابه.

وأنا في النهاية لا أعاند لمجرد المعاندة, إذ أقر معك أنّ المجتمع مضطر الآن أن يقاد عبر هذه القوى والتيارات الحزبية –مطلق أحزاب-, نظرا لغياب هذا الإنسان الواعي على المستوى السياسي كما على المستوى الديني, مع أنّ الأشياء تظهر فاقعة أكثر مع هذا الأخير بالذات, لجهة وضوح وجود (الشيخ) و(المريد) كمبدأ في هذا الإطار, والذي أكرر توصيفي له بأنّه خطأ لا يوصل إلى نتيجة"

بما أنك تحدثت عن (الشيخ) و(المريد), أليس من الأجدى في هذه الحال أن نشجع شكلا آخر للتعاطي يكون بناء العلاقة فيها أكثر (مؤسساتية) بين الطرفين المذكورين, بحيث يتم الحد من إعادة إنتاج هذه الأشكال القديمة التي تساعد على انتشار (البؤر) المغلقة, والمعزولة عن أي حوار أو حراك في البيئة المحيطة؟

"اسمح لي, هذه التيارات عاجزة عن توعية الفرد من خلال الجماعة أو الجماعات التي تؤسسها, وهي إن تمكنت من عمل أي شيء على الاطلاق لفرد من الأفراد؛ فهو سيكون بكل تأكيد تحويلا لذلك الشخص إلى فرد مطيع و(مطواع) ضمن الجماعة نفسها.

باعتقادي هناك نوع من (التدافع) يجب أن يحصل بين الأفراد قبل أن يصبحوا قادرين على الانتظام في جماعات من هذا القبيل الذي تتحدث عنه, أنا أصر على تهيئة (الإنسان) أساسا, لا عن تهيئة مسلم أو مسيحي أو ماركسي أو...,وهذا لن يتم على يد هذه الجماعات."

فماذا إذا عن هؤلاء المتدينين من السوريين الشباب الذين اختاروا تعبيرا سياسيا (متطرفا) في نظر بعضهم، و(إرهابيا) في نظر آخرين, فيما يعتقدون أنه طريق (الجهاد),ولك فيما وقع من حوادث في حلب, وريف حماة, ودمشق وريفها, في الفترة الأخيرة نموذج عنهم؟

"أعتقد أنّ الاحتقان الحالي والتضييق الموجود على الشباب يولد التطرف, ويفرز حالات تؤخذ على أنها مؤشر على التوجه العام لدى الشباب السوري, وهو استقراء خاطئ بطبيعة الحال. الظرف الحالي هو الذي دفع –وبشكل استثنائي- باتجاه إفرازات من هذا النوع, إذ ليس كل الشباب (متطرفين) و(إرهابيين) و(انتحاريين).

الشباب لديهم أمل في هذه الحياة, إنما -وفي ظل أفق مسدود- من غير المستبعد أن تنمو مثل هذه الظواهر. ناهيك عن أنّ الإعلام يلعب دورا أساسيا في التعميّة وتغييب بعض الحقائق, والدفع باتجاه تصورات محددة, تكون في الغالب الأعم سلبية الطابع, فإذا أخذنا مثلا (كلاسيكيا) عن شخص يفجر نفسه في مكان عام ويقتل ويجرح من كان حوله, نجد في المقابل لهذا الفرد عشرة أشخاص آخرين يجلسون بسلام في مكان آخر لمجرد الدراسة, وبالطبع وكما هو متوقع دائما يظهر ذاك على الشاشات فيما يغيب هؤلاء!"

إذا فأنت لست قلقا من أنّ مسودة قانون الأحزاب -المنتظر- لا زالت تلحظ على ما تسرب للاعلام منها عدم السماح بإقامة أحزاب على أسس طائفية ومذهبية؟

"باعتباري الشخصي, عندما يكون لديك نظريا أحزاب مؤسسة على أساس ووفق مبادئ دينية؛ فهذا يفترض منطقيا أنّ هذه الأحزاب مبنية على قاعدة أوسع من نظائرها القائمة على مبدأ القومية على سبيل المثال, وتجد على أرض الواقع أنّ هذه الأخيرة -الأحزاب القومية- مرخص لها بالعمل وموجودة على الساحة, بينما الأخرى محظورة.

إذ أنّ نطاق القومية أضيق من نطاق الدين, ويمكن لأي شخص أن يدخل حزبا دينيا, حيث من الممكن لأي كان أن يغير ملـّته من حيث المبدأ, وبالتالي يمكنه اختيار حزب ديني ما للانضمام إليه, بينما لا يمكن لأحد أن يغير قوميته بغرض الانتساب إلى حزب قومي معين.

والأحزاب اليسارية يمكن تصنيفها في السياق كأحزاب (دينية) تحمل أيديولوجيا معينة. فلا أدري والحال هذه لماذا يمنعون الأحزاب الدينية؟

مع العلم أنني شخصيا ضد فكرة الأحزاب بالأساس كما أسلفت"

ما مصدر هذه الشكوك والتخوفات عند الأطراف التي لا تريد أن ترى أحزابا دينية سياسية برأيك؟

"حسنا, الإشكالية بنظري مع الإسلاميين, هي أنهم يـُقادون بشكل أسهل من غيرهم على أيدي المشايخ ضمن تراث ديني متسلسل وطويل, ومرجعيات روحية لا يمكن زحزحتها, إذ قد يكون في متناول اليد مثلا أن تنتقد مرجعية ماركسية, وتقول عن فلان منهم بأن فيه من الصفات كذا وكذا, أمـّا مناوأتك مرجعا دينيا فدونه الكثير من المحاذير والعقبات, ويصبح الأمر إذ ذاك أكثر تعقيدا لما يظنّ من ارتباطه بالإلهي."

وبالتالي فاهتمام الشباب السوري المتدين في ظل عدم وجود منفذ تنظيمي سياسي يجب أن ينصبّ برأيك على ....

"..... المشاركة في الشأن الحياتي العام, وهذه المشاركة لا تقتصر أبعادها على السياسي المحض كما يفهمه العامة, وأنا هنا أتكلم عن الشباب السوري بعمومهم ولا تخصيص لإسلامي عمّن سواه, لأقول أنّ نظافة الطرقات هي من الشأن العام مثلا, وهذه ليست دعوة للشبيبة أن يحملوا المكانس على ظهورهم ويبدؤوا بكنس الشوارع, أو أن يعمدوا إلى توعية الناس حول هذا الأمر بقدر ما هي رجاء منهم بأن يكفوا هم أنفسهم عن توسيخ تلك الشوارع.

مكافحة الرشوة مثل آخر, والرشوة كما يعرف القاصي والداني بلاء مستفحل, وهي ضد القانون و الأخلاق على السواء, وفي هذا أعود لأؤكد أنني لا أسأل أحدا أن يصرخ فوق المنابر تنديدا بالرشوة, بل أن يمتنع الشباب عن التعاطي بها ودفعها إلى الآخرين.

شيء آخر, على الشباب أن يعمدوا إلى قراءة القانون, فشبيبة البلد ليست لديها أدنى فكرة عما هي حقوقها وما هي واجباتها قانونا!

وأنا لا أسعى في هذا السياق وعبر دعوتي هذه إلى تقديم رؤية نقدية عن هذا القانون, ما هو أو كيف يجب أن يكون, بل أتعامل مع القانون كما هو موجود نصا, والذي نحن ملتزمون به إلى الآن."


2007

2011-02-08

الحزبيون السوريون الجدد ..دماء شابـّة، وشريان مفتوح! (2)

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية



             حزبيـّون على نفقة العشيرة، وقيادات بالـ(مؤبـّد) 
             (في الحزبية السورية الكردية)


يطيب لبعضهم السياسي بين الحين والآخر أن يردد على أسماع ضيوفه ما طاب له, مقولة أنّ القوى السياسية السورية الكردية تشكل في واقع الحال الحامل الأكبر للحراك السياسي (المعاراضاتي) في البلد, بدء من حبر تواقيع العرائض والبيانات, وصولا إلى عرق تنظيم الاعتصامات وتسيير المظاهرات, كون تلك القوى الكردية-برأي محدثنا- هي الأكثر تسييسا, والأحدّ استنفارا, والأطوع استجابة لتوجيهات قياداتها (القيادات بين قوسين)، وأنّ شيئا لا يمكن أن (ينجز) بدون هذه الحالة التعبوية لمناصريهم (قوسان هنا أيضا).

وطبعا لا تعدم تلك المجالس من ينبري لإدغام (زخم) التيار الديني في التحليل السابق ذكره جنبا إلى جنب مع (الفاعلية) الكرديـّة, رغم ما في تحديد المعالم الحركيـّة لهذا الـ(زخم الديني) من إشكالية, هذا من جهة, ومن جهة أخرى السؤال فيما إذا كان أحد ينوي إعادة رسم إشارة استفهام -استفهامية محضة- عن مدى التداخل بين (القومي) و(الديني) لدى هذه الحركات, على اعتبار أن عددا لا يستهان به من قادة الرأي الروحي المحلي, و(مشايخ) الساحة الدينية السورية -إن صح التعبيران- هم من أصول كردية!

وفي العموم لا يمكن اعتبار جمهور السياسة السورية الداخلية غريبا عن مجمل نشاطات الحراك السياسي السوري ذي المانشيت الكردي, والذي يشكل الشباب عموده الفقري, من قبيل الاعتصامات الصامتة مثلا خارج أسوار كلية الآداب, أو التظاهرات الأكثر صخبا قرب رئاسة مجلس الوزراء, ناهيك عن أحداث أكبر وقعا كالذي جرى في المنطقة الشمالية في آذار 2004, والذي بات يعرف بـ(أحداث القامشلي) وارتداداته حتى دمشق وضواحي العاصمة.

فإلى أي حد هي متميزة تلك العصبية الحزبية لدى الشباب السوري الكردي عنها في باقي قطاعات الشباب في البلد, وهل ثمة تقاطع أو تلاق في الهواجس والهموم يلتقي عليها الجميع, وتغفل عنها أحيانا عين المراقب على سطح الحدث أو الظاهرة؟

عن ذلك يقول محي الدين عيسو وهو صحفي شاب متابع لهذا الشأن:

"أحب أن أوضح في البداية أن الحركة السياسية الكردية في سوريا؛ هي جزء من الحركة السياسية السورية العامة، وجزء من المجتمع السوري الذي يجمع في جغرافيته فسيفساء من القوميات المتعايشة في إطاره، بيد أنّ الشيء المشترك والذي يجمع بين هذه القوميات؛ هو في واقع الحال غياب هذه القوميات عن الحياة السياسية منذ عقود, وذلك لأسباب لسنا بصدد الحديث عنها في الوقت الحالي، إلا أنّ المجتمع الكردي كانت له خصوصية من حيث تعرضه للقمع, لتأتي انطلاقة الحركة السياسية الكردية في عام 1957 -العام الذي تأسس فيه على الأرض أول تنظيم كردي في سورية, وحمل في حينه اسم (الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا)- كضرورة وطنية وقومية, وتجسيدا لإرادة هذا الشعب عبر ممثل شرعي له، حيث كان الأستاذ عبد الحميد درويش -والذي يعتبر من بين القيادات والمؤسسين لهذا الحزب- لا يزال شابا طالبا في جامعة دمشق، في ذلك الحين أقبل الشباب الكردي على الانخراط في صفوف هذا الحزب بكثافة شديدة, وشمل إقبالهم ذاك كافة المناطق التي يقطنها أكراد، وساهم هذا العنصر الشاب الذي دخل المعترك الحزبي في نشر مبادئ وأهداف الحزب الأم بين عناصر وأفراد المجتمع الكردي, ونقل هذا التعاطف الحزبي إلى آخرين, حتى إلى أولئك الذين لم يكونوا قد انضووا تحت لوائه, مدفوعين بمبدأ ما يؤمنون أنّه تحقيق (الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في سورية)، إضافة إلى زرع ثقافة التآخي العربي – الكردي داخل المجتمع السوري، وعليه يمكننا القول بأن المجتمع الكردي في سوريا هو مجتمع مسيس بشكل عام, إنما وغير متحزب بالشكل المطلوب."

ما هو الدور الذي تلعبه العائلة والعشيرة في تحديد الانتماءات السياسية والحزبية للشباب السوري في شمال البلاد؟

"لا يخفى عليك أنّ الانقسامات والانشقاقات والصراعات العشائرية في صفوف الحركة الكردية منذ العام 1965 أدت إلى ابتعاد شريحة كبيرة من الشباب الكردي الحزبي عن صفوف الحركة السياسية الكردية، وهذا أمر واقع, وهي حالة وقفت للأسف حائلا دون إتاحة الفرصة أو المجال أمام الشباب السوري الكردي كطاقة فعالة من الوصول بأفكارهم إلى قمة الهرم القيادي, والذي أصبح مع مرور الوقت (محتكرا) بيد من تسلموا الزعامة فيه, وينوون الاستمرار فيها (إلى الأبد!)"

هل من الممكن للمراقب تلمس تأثيرات هذا الوضع على الشارع الشبابي الكردي؟

"بالطبع, هناك ملاحظات كثيرة يمكن الإتيان بها كشاهد في هذا المجال, فأكبر تجمع شبابي للطلبة السوريين الكرد على سبيل المثال موجود كما هو معروف في جامعة حلب، إذ يربوا عددهم هناك على الـ(5000) طالب وطالبة، في حين أنك إذا دققت وأحصيت بينهم من هم منخرطون عمليا في صفوف الحركة السياسية الكردية؛ فإنك ستجد أن هؤلاء لا يتجاوز عددهم في أحسن تقدير الـ(300) حزبي, وهذا الأمر إن كان لنا أن نستدل منه على شيء, فهو يدلنا على عدم اكتراث أو اهتمام هؤلاء الطلبة بما تحاول أحزابهم الكردية أن تستميلهم به من سياسات, وهذا الانفضاض عن تلك الأحزاب من قبل الشباب إنما يأتي كنتيجة طبيعية وموضوعية لما آل إليه واقع تلك الأحزاب والتيارات, من خلافات وانشقاقات وصراعات من دون مضمون أو مغزى, ناهيك عن سبب آخر متمثل في أنّ جلّ أولئك الشباب السوري الكردي يفضلون الابتعاد عن الحياة السياسية العامة اليوم لحساب التفكير والانشغال بتوفير لقمة العيش, والتي أصبحت مستعصية على المواطن السوري على الإجمال."

ما هو برأيك سبب تدني حجم مشاركة الشباب الحزبي الكردي في الأحزاب السورية التي ليس لها طابع قومي محض, هل ثمة موضوعيا ما يحول بين هؤلاء الشباب و(اندماجهم) في بقية الطيف الحزبي السوري الأوسع؟

"هناك شيء يجب توضيحه في البداية, وهو أنّ عدم تفهم الأحزاب السورية الأخرى لطبيعة الحركة السياسية الكردية وأهدافها الديمقراطية؛ أسهم مع الوقت في جعل الأحزاب والحركات والتيارات السياسية الكردية تعيش حالة من الانغلاق, ودفع باتجاه هيمنة الفكر الانعزالي على التوجه السياسي الكردي العام.

وهذا بدوره فتح الباب واسعا أمام البعض لإيهام الناس والرأي العام الوطني السوري بأن ولاء الحركة الكردية السياسية إنما هو ولاء للخارج, ناهيك عن اتهام الحراك السياسي الكردي بأنه حراك ذو مآرب انفصالية, وجرى كل ذلك بهدف حرمان القوى الكردية السورية من تحصيل أي دعم على المستوى الوطني, والحيلولة دون إدراج (القضية الكردية) ضمن أجندة القضايا السورية التي تبحث في العموم عن أجوبة وحلول عادلة وعاجلة.

وأنا آسف إذ كنت مضطرا لهذه المقدمة كي أوضح أن هذه السياسات التي أسلفت الحديث عنها أوصلت في النهاية إلى أن يتوجه الشباب الكردي السوري باتجاه التمسك والتشبث بأحزابه (القومية), وأدت به إلى العزوف عن محاولة الاقتراب من التيارات والأحزاب السورية الأخرى, أو السعي إلى الانخراط في صفوف قوى وطنية سورية غير كردية, وربما يكون الاستثناء الوحيد في هذا السياق هو ما جرى عمليا ضمن الأحزاب الشيوعية السورية, والتي كانت تعج بالشباب الكردي في وقت من الأوقات"

....فماذا عن اليوم إذا؟

"اليوم, ومع مرور الزمن, وانتشار ثقافة ومبادئ حقوق الإنسان, وبعد أن طفت على السطح ظاهرة (المجتمع المدني)، وبفضل ما أتاحته التكنولوجيات المتقدمة لنا من وسائل اتصال وتواصل, والفضاء الرحب الذي وسعته لنا شبكة الانترنت، ناهيك عن التواصل الذي قام بين معتقلي الأحزاب الكردية والأحزاب السورية الأخرى داخل السجون؛ أقول بعد كل هذا الذي ذكرت وبفضله انخرطت أعداد كبيرة من الشباب الكردي السوري في جمعيات حقوق الإنسان التي نشأت مؤخرا, كما في منظمات المجتمع المدني الأخرى, والأحزاب الديمقراطية السورية التي تدعو إلى مبدأ (المواطنة) واحترام حقوق الإنسان, وهذا بدوره أوصل إلى قيام ائتلافات وتشكيل تحالفات مع الأحزاب والقوى السياسية السورية الأخرى كـ(إعلان دمشق) دمشق مثلا, وذلك كله بغرض التوصل إلى صيغة مشتركة للعمل ضمن إطار النضال الوطني العام والشامل."

بماذا يمكن أن يتميز الخطاب السياسي للسوريين الأكراد, وخاصة الشباب الحزبي المنضوي في راية قوى سياسية كردية, كي يتجاوز-من طرفه على الأقل- عوائق الاتصال تلك التي أسلفت الحديث عنها؟

"باختصار شديد, على الشباب الحزبي السوري الكردي أن يعمل جاهدا وسريعا على التخلص من كل تلك العقد الحزبية المبثوثة والمزروعة في الموروث الثقافي والاجتماعي، وعلى الشباب بالذات السعي بكل ما أوتوا من طاقة من أجل محاولة تصحيح بعض المسارات، والعمل على تحقيق التواصل المستمر مع الآخر المختلف بالرؤية كردياً وسورياً, منطلقين في كل هذا من اعتبار واحد, وهو أن هذا الوطن الذي يجمعنا يجب أن يكون للجميع, بعيداً عن الانتماءات القومية والدينية والطائفية, بغية تطور المجتمع السوري, وتحقيق رفاهيته التي يجب أن تشمل الجميع."


2007

2011-02-06

الحزبيون السوريون الجدد ..دماء شابـّة، وشريان مفتوح! (1)

شهادات وآراء شباب في الحياة الحزبية السورية

           أحزاب بلا شباب؛ فزاعات وهلام سياسي  (تيار قاسيون)


"هناك في مجتمعنا المحلي فراغ تعيشه هذه الشريحة الشابة، بمعنى أن كل القضايا الموجودة خارج البلد وداخله، مضافا إليها ما نعيشه من انحطاط وأمراض اجتماعية تتمثل أمامنا بالفساد والبطالة والهجرة خارج البلاد ...هي أمور في واقع الحال تعمل على تحفيز الرغبة بالتغيير لا وأدها"

بهذه الفاتحة تستهل لينا الحمد طالبة الإعلام في جامعة دمشق حديثها عن تجربتها الحزبية التي لها من العمر الآن ما يقارب السنوات الخمس.

لينا التي تخيرت الانضمام إلى اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين والمعروفة باسم (تيار قاسيون) لا تنظر بعين الرضا إلى كثير من مجايليها الذين فضلوا ترك العمل في الشأن العام لـ(أهله)، معتبرة أن ما يظن هؤلاء أنهم قد تحصلوا عليه من خبرة لا يؤهلهم بحال كي يحكموا على أنفسهم بالعجز التام عن "إضافة أي جديد" وبالتالي أن يكوّنوا "تلك النظرة السوداوية إلى الآتي والتي تقضي بعقم المستقبل"

"عمري 25 عاما –تقول لينا- وإدراكي ووعي السياسي بدأ في فترة ساد فيها سوريا فيما أرى فترة ضمور وجمود وخوف سياسي، وهامش الحرية الذي نالته الأحزاب جاء بعد 2001

فهناك ظروف خاصة عاشتها البلاد خصوصا في نهاية السبعينات ونخاية الثمانينات، راكمت أشياء من العسير أن تأتي اليوم وتزيحه خلال مدة بسيطة. فأي حراك سياسي يمكن الحديث عنه في الفترة الأخيرة هو في واقع الأمر لازال يدفع ضريبة هذه الظروف، الشيء الذي خلـّف جيلا كاملا من الشباب من دون أيّة خلفية سياسية".

بيد أنّ لينا تعتقد جازمة أن المجال لا زال واسعا أمام الشباب الراغب في الانخراط في العمل الحزبي، وإن كانت تصنف أصحاب ذلك الطموح إلى صنفين (فئة تملك الفكر والطاقة الصادقة لتقدمها لنفسها و للآخرين، وفئة لا يعدوا ما لديها مجرد أحلام وتهيؤات)، معتبرة أنّ هذه الفئة الأخيرة تعاني بدورها من فراغ، وتملأ هذا لفراغ أحيانا بأشياء مشوهة "ستجد بين هؤلاء مثلا من يرتدي صورة غيفارا من دون أن يعرف من هو غيفارا، والذي كان رفع صورته في وقت مضى يوصل إلى أمور لا تحمد عقباها، والشيء ذاته ينسحب على رمز (الزوبعة) شعار الحزب السوري القومي الاجتماعي والذي ظلّ محظورا حتى فترة ليست بالبعيدة، وبشكل أخف ربما مع صور عبد الناصر، وبالتالي حصل نوع من الاستهلاك لهذه الرموز من قبل بعض الشباب مستغلين هامش الانفتاح الذي حصل مؤخرا والقدرة على تداول هذا الرموز بشكل علني في الشوارع والساحات، فصار هناك استسهال وإسراف في التعاطي معها، الشيء الذي لمست فيه شخصيا تعبيرا عن خواء داخلي ومعرفي فيما يخص خلفيات هذه الشعارات ومتضمناتها".

أما الفئة التي تشربت بالفعل الأفكار الحزبية وعرفت حقا معنى الانتماء الفكري –وفق تعبير لينا- فهي فئة "قليلة جدا"، بل وتذهب الحزبية الشابة أبعد من ذلك لتقول أن الذين يعملون بشكل جدي وفق هذه المبادئ "معدودون"، معتبرة أنّه "لو أتيح لنا القيام بدراسة إحصائية في كل حزب على حدة فيما يخص هذا الموضوع بالذات لتبين لنا كم هو مخز ذلك العدد من الحزبيين الفاعلين الذي يمكننا أن نخرج به من المجموع العام".

ولكن ماذا عن سؤال عما إذا كانت الأحزاب المتواجدة على الساحة السورية اليوم لازالت بشعاراتها وأيديولوجياتها ورموزها قادرة على أن تجيب عن أسئلة الشباب السوري اليوم؟

بأسف تهز لينا رأسها وتجيب " عموما...لا، والتاريخ الذي عاشته هذه الأحزاب في فترة سابقة من أربعينيات إلى سبعينات القرن المنصرم، لم يبق منه إلا أولئك الذين لازالوا يقفون ويبكون على أطلاله"، ببساطة تضيف لينا "الأحزاب الراهنة ومن دون تخصيص فقدت ثقة شريحة الشباب بها".

إذا ما الذي لازال يدفع الحزبيين من الشباب إلى التمسك بهذه الأحزاب؟

تجيب لينا على هذه المفارقة بجواب يحوي من البراغماتية أكثر مما يحوي من الأيديولوجيا وتقول "بكل بساطة، الشاب الذي لا يعمل من ضمن تنظيم حزبي ما هو في النهاية سوى مجرد فرد واحد، وبالعمل الحزبي (الجماعي) وحده يبقى هناك فسحة من أمل لدى الشباب للالتقاء مع أشخاص يشبهونهم، وبالتالي يكون ثمة فرصة أكبر للتعاون و العمل بغرض انجاز شيء ما،حتى وإن كان على مستوى تغييرات صغيرة داخل الأحزاب نفسها -مع أن هذا يستغرق وقتا-ولكن ذلك يبقى أفضل في النهاية من ألا يكون هناك من يقوم بهذا على الإطلاق"،وإلا "تحولت الأحزاب إلى فزاعات وخيال مآتى، وبخاصة الأحزاب المشاركة ضمن الجبهة الوطنية التقدمية، والتي استحالت مع الوقت إلى ظلال وهلاميات لا يمكن الإمساك بها"ما يفسر من وجهة نظر لينا على الأقل "تلك الانفصالات و الانشقاقات أو عمليات الفصل و الطرد الحزبيين التي تحصل بين فترة و أخرى، والتي قد تكون مؤشرا على وجود حراك داخل بعض الأحزاب تقوم به فئات قد تكون تعمل على الضد من الطريقة التي (برمجت) عليها هذه الأحزاب، وأنا هنا لا أتحدث عن تيار قاسيون بالذات، فالحزب السوري القومي على سبيل المثال و قع فيه انشقاق واضح بمجرد أن عُرض عليه كرسي في (الجبهة) "

هل هذا يعني أن للحزبيين الشباب فاعليتهم داخل أحزابهم، وأنهم مقتنعون بضرورة التغيير؟

"إلى حد ما –بالنسبة للشطر الأول من السؤال- أمّا عن ضرورة التغيير فهم مقتنعون بذلك، غير أن هذا التغيير لا بد أن يظهر عبر تبدل القيادات بين فترة وأخرى، وهذه مسألة مهمة باعتقادي، وليس لزاما أن يكون المقصود بكلامي مثلا أعلى سلطة حزبية موجودة وهي اللجنة المركزية، -وأنا أتكلم هنا عن قاسيون- بل أخص بحديثي اللجان المنطقية واللجان الفرعية.

إذ لا أجد جدوى مثلا من إعادة انتخاب لجنة فرعية موجودة منذ سنتين لم تقدم خلالهما الشيء الذي كان مطلوبا منها؟ وهذا المثال المصغر يعفيني من ضرب أمثلة أكبر" !

وترى لينا أن مشكلة بقاء الوجوه نفسها في مفاصل الحزب مشكلة تعاني منها القوى السياسية عامة في الأحزاب عموما "وإعادة انتخاب الرموز ذاتها والأشخاص ذاتهم في كل مرة يوصل إلى الجمود، لتصبح القصة استفتاء لا انتخاب، وهذا أمر لا علاقة له بكون هؤلاء الأشخاص هم النخبة أو أنهم الأفضل، فإذا عجزنا عن التغيير على مستوى لجنة مصغرة فنحن بالتالي غير جديرين بأن نطالب بشيء أكبر"

هل تقف القيادات الحزبية في وجه الراغبين بـ(تحريك الأوضاع) من الشباب؟

"ليست المسألة مسألة قيادات بقدر ما هي ربما مسألة كسل في القواعد -الشبابية منها على وجه خاص- ناهييك عن عدم خبرة لدى هؤلاء الشباب وتعوّد على تحمل المسؤولية.

ورغم وجود تثقيف مستمر وتوطيد للفكر؛ بيد أنّ هذه الأمور كلها لا تساوي شيئا ما لم تقترن بالممارسة على أرض الواقع، إذ بإمكان المرء أن يقرأ و يقرأ في الاقتصاد السياسي، وستأتيه المعلومات من كل مكان –وهذه ميزة تحسب للتيار حقيقة- لكن ما لم تتح الفرصة لكل هذه المعارف كي تحتك مع الواقع فإنها ستبقى بعيدة عن التطور.

ولا يكفي أن يكون هذا التفاعل الذي أتكلم عنه داخل التيار نفسه إذ عليّ أن أجلس مع شباب من تيارات أخرى مثلا، أو أن أنزل إلى الشارع حيث محك إنتاجية ما تلقنت"

لم تواجه لينا يوما عوائق ذات بال كمحازب (فتاة) فشاركت بفاعلية حتى الآن ضمن نشاطات تيارها، وقامت بالمهام الموكلة إليها حزبيا على أتم وجه، وهي وإن كانت مصرة على أن جوهر الإشكال في المجتمع "طبقي، لا جنسي"؛ فإن الأمر لم يخل الأمر أحيانا من بعض الحزبيين (الذكور) الذين "قد لا يستسيغون وجود فتاة ناشطة تنزل المظاهرات والاعتصامات، بل ربما تتعرض للمسائلة الأمنية مثلهم تماما"

هذا وتعتزم لينا ترشيح نفسها لانتخابات اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعين السوريين (تيار قاسيون)، وفي حال نجاحها فستكون حينها أصغر الأعضاء سنا في اللجنة، بفارق لا يقل عن  15 سنة عن أقرب مسؤول إليها!

الأمر الذي يعيد إلى الذهن مباشرة تلك الفجوة العمرية الشاسعة في البنية التمثيلية للقوى السياسية السورية، والتي فيما لو تم جسرها ربما تساعد على تجاوز عقبات أخرى لا يزال الشباب يرونها حائلا دون مشاركتهم الفعالة، من نمط ما قد يكون لدى الكوادر الحزبية الشابة مثلا من ملاحظات أحيانا يصعب عليهم الإفصاح عنها في نطاق مؤسساتهم السياسية.

تقول لينا "ليس من السهل عليك كحزبي التوجه بالنقد إلى من هم أعلى منك مرتبة من دون أن توضع عليك إشارة استفهام، كيلا لا أقول تصبح من المغضوب عليهم، مثيرا حولك التساؤلات، من قبيل من هو هذا الذي ينتقد، ومن أرسله، وما هي غايته.....، وكل ما من شأنه تحميل الأمور أكثر مما تحتمل. مع أنك تشهد بأم عينك مثلا بعض الممارسات في (اللجنة الحزبية المنطقية) والتي لا تمت للمنطق بصلة!"

لكن لينا تستدرك بسرعة الذاتي بالموضوعي، بإدراكها أن معيقات الحركة داخل الجسد التنظيمي لا تنفك عن عوائق الحراك السياسي في البيئة التي يعيش فيها ذلك الجسد أو يموت.

وعليه تعتقد لينا أنه "آن الأوان بالنسبة إلينا كبلد يواجه كل هذه التحديات على الصعيد الداخلي و الخارجي أن نحظى بقانون للحياة الحزبية-عم تحكي فيه الحكومة من أربع سنين- يساعد على لمّ جهود مختلف الأطراف الفاعلة لمواجهة هذه التحديات، ناهيك عن ضرورة الخروج من عهد الشتائم والسباب والاتهامات بالعمالة والخيانة، رغم أنني شخصيا لا أتوقع أن ذلك قد يتم تحقيقه في فترة قريبة"

آخر نشاط ميداني في الشارع شاركت فيه لينا بـ(فولارها) الأحمر وقلادتها التي تحمل خارطة البلاد كان السنة الماضية في ساحة المحافظة مع أنها بالكاد تذكر السبب أو المناسبة، لكنها عضو دائم في فريق مسير ميسلون الذي ينظمه التيار بين منزل يوسف العظمة وضريحه كل سنة.

ومهما بدا ذلك غريبا في عيون (أكابر) الحزبيين و(كباريتهم) على مختلف أطيافهم السورية؛ فإن حماس معظم الشباب الحزبي الجديد محكوم اليوم بمنطق الأمور. ولينا قد تكون شاهدا أكثر من ملائم على هذا الطرح، فهي لا تبرح تقيـّم شارق كل فجر تجربتها الحزبية بالورقة والقلم، باحثة في الجدوى وعنها، و"في حال خذلني حزبي فلست مضطرة للبقاء فيه".


2007